تأمل... في قصة النبي موسى والحوت!..
الآيات القرانية:
قال تعالى في محكم كتابة: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا.
الايات تتحدث عن النبي موسى والفتى:
الآيات هنا تتحدث عن النبي موسى "عليه السلام" والفتى الذي كان يصحبه في رحلتهما نحو مجمع البحرين لاتباع العبد الصالح الذي سيحدث له بعض الامور ومنها خرق السفينة، وقتل الغلام، واقامة الجدار، وهذه الامور الثلاثة تحتاج الى وقفة اخرى نتعرض لها فيما بعد… وعندما بلغوا المجمع جلسوا للاستراحة مما لقياه من السفر، وبعدها انطلقوا في مسيرتهما، ونسيا حوتهما عند الصخرة فاتخذ سبيله في البحر سربا، اي الحوت.
ما هو حجم الحوت:
وهنا نسأل ما هو حجم الحوت الذي كان يحملانه كمتاع لهما، وهل ان الحوت يطلق على السمك الصغير… اذا قلنا المقصود بالحوت هو سمكة صغيرة الحجم؟! وهل كان حي حتى اتخذ في البحر سبيله، ام كان ميتاً وجاهز للأكل فاحياها الله بقدرته؟. وهل هما كانا يجلسان بالقرب من البحر؟.
من الذي نسيا الحوت هل النبي موسى ام الفتى؟.
ثم من الذي نسيا المتاع (الحوت) هل النبي موسى ام الفتى المرافق له ام كلاهما؟ ولماذا دائماً النسيان من عمل الشيطان؟.
من هنا بدأت الرحلة:
وعلى اثر ذلك بدأت رحلة النبي موسى "عليه السلام"، اذ قال له هذا ما كنا نبغي… فارتدوا على اثارهما اي على نفس الطريق الذي كان يسيران عليه فوجدا العبد الصالح الا وهو الخضر الذي يملك العلم اللدني (العلم الآني)، الذي سيعلمه مما لم يحط به خبرا.
ايهما اكثر علماً النبي موسي ام العبد الصالح؟.
وهنا نسأل ايضاً ايهما اكثر علماً النبي موسي "عليه السلام" ام العبد الصالح؟ وكيف لنبي من اصحاب الشرائع الخمس، والذي كان يحيي الموتى ويشفي الاكمى والابرص ان يتبع عبد من عباد الرب؟.
هل كان الحوت مملوحاً أو مشوياً:
وقد قال صاحب الميزان عن قوله: "نسيا حوتهما" الآيتان التاليتان تدلان على أنه كان حوتا مملوحا أو مشويا حملاه ليرتزقا به في المسير ولم يكن حيا وإنما حي هناك واتخذ سبيله في البحر ورآه الفتى وهو حي يغوص في البحر ونسى أن يذكر ذلك لموسى ونسي موسى أن يسأله عنه أين هو؟
نسيا حوتهما:
وعلى هذا فمعنى "نسيا حوتهما" بنسبة النسيان إليهما معا نسيا حال حوتهما فموسى نسي كونه في المكتل فلم يتفقده والفتى نسيه إذ لم يخبر موسى بعجيب ما رأى من أمره. هذا ما ذكروه.
وأعلم أن الآيات غير صريحه في حياه الحوت بعد ما كان ميتا بل ظاهر قوله: "نسيا حوتهما" وكذا قوله "نسيت الحوت" أن يكونا وضعاه في مكان من الصخرة مشرف على البحر فيسقط في البحر أو يأخذه البحر بمد ونحوه فيغيب فيه ويغور في أعماقه بنحو عجيب كالدخول في السرب ويؤيده ما في بعض الروايات أن العلامة كانت هي افتقاد الحوت لا حياته والله أعلم.
السرب هو المسلك:
وقوله: "فاتخذ سبيله في البحر سربا" يقول العلامة: السرب المسلك والمذهب والسرب والنفق الطريق المحفور في الأرض لا نفاذ فيه كأنه شبه السبيل الذي اتخذه الحوت داخل الماء بالسرب الذي يسلكه السالك فيغيب فيه.
النصب الوهن الذي يكون عن كد:
وعن قوله تعالى: "فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا" قال في المجمع: النصب والوصب والتعب نظائر، وهو الوهن الذي يكون عن كد انتهى، والمراد بالغداء ما يتغدى به وفيه دلالة على أن ذلك كان في النهار.
والمعنى: ولما جاوزا مجمع البحرين أمر موسى فتاه أن يأتي بالغداء وهو الحوت الذي حملاه ليتغديا به ولقد لقيا من سفرهما تعبا.
بلوغهم مجمع البحرين:
وعن قوله تعالى: "قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة" يقول يريد حال بلوغهم مجمع البحرين ومكثهم هناك فقد كانت الصخرة هناك والدليل عليه قوله: "واتخذ سبيله" وقد ذكر في ما مر أنه كان بمجمع البحرين، يقول لموسى: لا غداء عندنا نتغدى به فإن غداءنا وهو الحوت حي ودخل البحر وذهب حينما بلغنا مجمع البحرين وأينا إلى الصخرة التي كانت هناك وإني نسيت أن أخبرك بذلك.
أوينا إلى الصخرة:
فقوله: "أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة" يذكره حال أويهما إلى الصخرة ونزولهما عندها ليستريحا قليلا، وقوله: "فإني نسيت الحوت" أي نسيت حال الحوت التي شاهدتها منه فلم أذكرها لك، والدليل على هذا المعنى - كما قيل قوله: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " فان" أن أذكره " بدل من ضمير " أنسانيه".
فعجبا وصف:
وقوله: "واتخذ سبيله في البحر عجبا" أي اتخاذا عجبا، فعجبا وصف قام مقام موصوفه على المفعولية المطلقة وقيل: إن قوله: "واتخذ سبيله في البحر" قول الفتى وقوله: "عجبا" من قول موسى، والسياق يدفعه.
السعي نحو الطلب:
قوله تعالى: "قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا" البغي الطلب، والارتداد العود على بدء، والمراد بالآثار آثار أقدامهما والقصص اتباع الأثر والمعنى قال موسى: ذلك الذي وقع من أمر الحوت هو الذي كنا نطلبه فرجعا على آثارهما يقصانها قصصا ويتبعانها اتباعا.
الخاتمة:
وعليه ارجوا التأمل والتدبر في هذه الحكاية القرآنية العظيمة، لما فيها من عمق خاطر وجلا ناظر وبعد استلالي عميق، تحتاج من كل واحد منا ان يقف عليها ويستخرج ما توصل اليه من خلال التأمل والتفكر في هذه الحكاية وادراك غايتها!.


إرسال تعليق